سورة الأنفال - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} شك ونفاق، {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} يعني: غر المؤمنين دينهم، هؤلاء قوم كانوا مستضعفين بمكة قد أسلموا، وحبسهم أقرباؤهم من الهجرة، فلما خرجت قريش إلى بدر، أخرجوهم كرها، فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وارتدوا، وقالوا: غر هؤلاء دينهم، فقتلوا جميعا، منهم: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعلي بن أمية بن خلف الجمحي، والعاص بن منبه بن الحجاج. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به، {فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} قوي يفعل بأعدائه ما يشاء، {حَكِيمٌ}.
{وَلَوْ تَرَى} يا محمد، {إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ} أي: يقبضون أرواحهم. اختلفوا فيه، قيل: هذا عند الموت، تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط النار.
وقيل: أراد الذين قتلوا من المشركين ببدر كانت الملائكة يضربون، {وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} قال سعيد بن جبير ومجاهد: يريد أستاههم، ولكن الله حيي يكني. قال ابن عباس: كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف، وإذا ولو أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم.
وقال ابن جريج: يريد ما أقبل منهم وما أدبر، أي: يضربون أجسادهم كلها، والمراد بالتوفي: القتل. {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} أي: وتقول لهم الملائكة: ذوقوا عذاب الحريق. وقيل: كان مع الملائكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار، فتلتهب النار في جراحاتهم، فذلك قوله تعالى: {وذوقوا عذاب الحريق}. وقال الحسن: هذا يوم القيامة تقول لهم خزنة جهنم: ذوقوا عذاب الحريق. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يقولون لهم ذلك بعد الموت.


{ذَلِكَ} أي: ذلك الضرب الذي وقع بكم، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي: بما كسبت أيديكم، {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}.
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كفعل آل فرعون وصنيعهم وعادتهم، معناه: أن عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون. قال ابن عباس: هو أن آل فرعون أيقنوا أن موسى نبي من الله فكذبوه، كذلك هؤلاء جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق فكذبوه، فأنزل الله بهم عقوبة كما أنزل بآل فرعون. {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: {كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} أراد: أن الله تعالى لا يغير ما أنعم على قوم حتى يغيروا هم ما بهم، بالكفران وترك الشكر، فإذا فعلوا ذلك غير الله ما بهم، فسلبهم النعمة.
وقال السدي: نعمة الله محمد صلى الله عليه وسلم أنعم الله به على قريش وأهل مكة، فكذبوه وكفروا به فنقله الله إلى الأنصار، {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنع آل فرعون، {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من كفار الأمم، {كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} أهلكنا بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالمسخ وبعضهم بالريح وبعضهم بالغرق، فكذلك أهلكنا كفار بدر بالسيف، لما كذبوا بآيات ربهم، {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} يعني: الأولين والآخرين.


{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} قال الكلبي ومقاتل: يعني يهود بني قريظة، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه.
{الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ} يعني عاهدتهم وقيل: أي: عاهدت معهم. وقيل أدخل من لأن معناه: أخذت منهم العهد، {ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ} وهم بنو قريظة، نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانوا المشركين بالسلاح على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا فعاهدهم الثانية، فنقضوا العهد ومالئوا الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وركب كعب بن الأشرف إلى مكة، فوافقهم على مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، {وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} لا يخافون الله تعالى في نقض العهد.
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} تجدنهم، {فِي الْحَرْبِ} قال مقاتل: إن أدركتهم في الحرب وأسرتهم، {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} قال ابن عباس: فنكل بهم من ورائهم. وقال سعيد بن جبير: أنذر بهم من خلفهم. وأصل التشريد: التفريق والتبديد، معناه فرق بهم جمع كل ناقض، أي: افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك وجاءوا لحربك فعلا من القتل والتنكيل، يفرق منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن، {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} يتذكرون ويعتبرون فلا ينقضون العهد.
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ} أي: تعلمن يا محمد، {مِنْ قَوْمٍ} معاهدين، {خِيَانَةً} نقض عهد بما يظهر لكم منهم آثار الغدر كما ظهر من قريظة والنضير، {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} فاطرح إليهم عهدهم، {عَلَى سَوَاءٍ} يقول: أعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد سواء، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب معهم، {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}.
أخبرنا محمد بن الحسن المروزي، أنا أبو سهل محمد بن عمر بن طرفة السجزي، أنا أبو سليمان الخطابي أنا أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة التمار، ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ثنا حفص بن عمر النمري، ثنا شعبة عن أبي الفيض عن سليم بن عامر عن رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظر فإذا هو عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء». فرجع معاوية رضي الله عنه.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12